السعادة التي لا يدخل عليها ما يقطعها ، أو ينقص منها ، أو يفسد طعمها؟ إن سعادة الجنة ، هى سعادة دائمة خالدة ، لا تنفصل عن أهلها ، ولا ينفصلون عنها ، وذلك هو نعيم أهل الجنة ، سواء أكان ماديّا أو معنويّا ، جسديّا أو روحيّا .. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ، خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٧ ـ ١٠٨ : الكهف).
وحسب هذا النعيم أنه غير زائل عن أهله ، وحسب المنعمين به أن يقيموا عليه ، ولا يبغون عنه حولا.
وأعجب ما فى هذه القضية ، أن يجىء الإنكار على الإسلام لهذا النعيم الجسدى الذي يعد به أتباعه فى الآخرة ـ من عجب أن يجىء هذا الإنكار من أوربا وأمريكا ، التي فنيت شعوبها فناء مطلقا فى عالم المادة ، حتى لقد كادت تتغير الطبيعة الإنسانية فى هذه المجتمعات ، وتختفى المشاعر والعواطف .. حتى بين الآباء والأبناء .. وإنه لو كان لتلك الشعوب أن تحلم بجنة فى الآخرة ، لما كانت جنة أحلامهم تلك إلا أنهارا تجرى من خمر ، وإلا حانات تعج بالراقصين والراقصات ، وإلا موائد ممدودة للطعام والشراب ، والقمار .. فإن هذا الذي بلغته شعوب أوربا وأمريكا من تقدم فى العلوم والفنون ، وإنما كان وسيلة إلى تحقيق هذا النعيم المادىّ الذي إن فات أحدهم حظه منه ، ولم يستطع الوصول إليه ، ضاقت الدنيا فى عينيه ، واستولى عليه الكرب والهم .. ثم لم يكن له بدّ من أن يركب أحد طريقين : فإما أن يلبس ثوب الوجودية ، ويتحول إلى حيوان يعيش فى غابة ، فلا يغير من ثيابه ، ولا يصلح من هندامه ، ولا يقص شعرا ولا ظفرا ، ولا يغطى جسدا ولا يستر عورة .. وهو بهذا يخرج عن عالم الناس ، ومن ثمّ فلا يعنيه أن يملك مثل ما يملكون ، أو يتمتع مثل ما يتمتعون .. إن له متعته الخاصة التي هى على غير ما يتمتع به الناس .. وهل يلذ للذئاب مثلا