المجدبة .. وهذا بدوره يعنى أن الدّين الذي يعد أهله بمثل تلك الجنة فى الآخرة ، إنما هو دين على مستوى هذه الحياة البدائية فى الصحراء ، التي لا تبعد الحياة فيها كثيرا عن حياة الغابة ، وأن الدين ليس إلا أكذوبة خادعة تستهوى الجوعى والمحرومين بهذه الموائد الممدودة لهم فى عالم الرؤى والأحلام.
فهذا القول ، إن كان من جاهل ، فهو جهل يفصح أهله ويخزيهم ، وإن كان من عالم فهو زور وبهتان ، يتخرص به المتخرصون فى غير خجل أو حياء ، ممن يكيدون للإسلام ، من مستشرقى أوربا وأمريكا : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٨ : الصف).
إن نعيم الجنة المادي ، وما جاء فى القرآن مما أعد الله سبحانه وتعالى منه لأهلها ، من حور عين ، وولدان مخلدين ، ولحم طير مما يشتهون ، وفاكهة مما يتخيرون ، ومن أنهار من ماء ولبن ، وخمر ، وعسل ـ إن هذا ـ كما قلنا ـ هو من مطلوب الحياة الإنسانية ، وبه قوام حياة الإنسان ، وسعادته ، مادام الإنسان إنسانا بشرا ، لم يتحول إلى عالم الملائكة ، ولم يصبح روحا هائما لا ذاتية له ..
وإن الإنسان ، هو الإنسان ، فى الدنيا ، أو الآخرة .. هذا ما يجب القطع به .. إذ لا بد أن يجد الإنسان ذاته ووجوده الإنسانى كله فى الآخرة ، وإلا لكان مخلوقا غريبا ، ليس بينه وبين الإنسان الذي عاش فى هذه الدنيا من صلة ، ثم لكان حسابه وجزاؤه فى الآخرة ليس حسابا ، ولا جزاء لهذا الإنسان الذي كان فى الدنيا ..
وإنه لكى يظل الإنسان إنسانا ، وليلقى حسابه وجزاءه ، الحسن أو السيّء ، ويحد طعمه الحلو أو المر ـ ينبغى أن يكون على طبيعته ، فى جميع أحواله ،