وفى هذا المشهد يرى المكذبون بيوم القيامة ـ كما يرى غيرهم ـ حالا من أحوال النّزع والاحتضار ، وقد بلغت الروح فيها الحلقوم ، كما يقول سبحانه فى آية أخرى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ. فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٨٣ ـ ٨٧ : الواقعة) :
وقد جاء التعبير هنا عن بلوغ الروح الحلقوم ، ببلوغها التراقى ـ وهى جمع ترقوة ، والترقوتان من الإنسان هما عظمتان تمتدان يمينا وشمالا من ثغرة النحر إلى العنق ـ وفى ذلك ما يدل على أن الروح تتحرك أثناء النزع والاحتضار ، فتنتقل من التراقى أي النحر ، إلى الحلقوم ، فإذا بلغت الحلقوم لفظ الإنسان أنفاسه الأخيرة ، إذ كان ذلك آخر حدود الروح مع الجسد
وقوله تعالى : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) أي التمس أهل المحتضر ، الاساة والرقاة لدفع يد الموت الممتدة إليه ، وهو ينازع سكراته ..
والراقي ، هو من يسترقى للمريض بالرّقى والتعاويذ ونحوها ، رجاء أن يشفيه من دائه ، أو يخفف ما به
والرّقى ، أسلوب من أساليب التطبب والاستشفاء عند الجاهليين ، وقد ذكره القرآن هنا على لسان المتعاملين به ، فهو من واقع الحال ، الذي يقتضى الصدق نقله كما هو ..
وقوله تعالى : (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) .. بيان لمرحلة ثالثة من مراحل الاحتضار .. حيث كانت المرحلة الأولى ، هى بلوغ الروح التراقى ، ثم كانت المرحلة الثانية استدعاء الرقاة والمتطببين .. ثم كانت المرحلة الثالثة ، وهى