قالوا : نقول : كاهن!! قال : لا ، والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان ، فما هو ـ أي النبي ـ بزمزمة الكاهن ولا سجعه ..
قالوا : فنقول مجنون؟ قال : ما هو بمجنون .. لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته!! قالوا .. فنقول شاعر! قال : ما هو بشاعر .. لقد عرفنا الشعر كله ، رجزه ، وقريضه ، ومقبوضه ، ومبسوطه ، فما هو بالشعر .. قالوا فنقول : ساحر!! قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو ـ أي النبي ـ بنفثه ، ولا عقده! قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس؟ ، قال : «والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق وإن أعلاه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا ، إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا : إنه ساحر. جاء بقول هو سحر ، يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه .. فتفرقوا عنه بذلك الرأى ، وجعلوا يلقون أهل الموسم على كل طريق ، ويقولون لهم : احذروا ساحرنا!
وبروى عن ابن عباس ، أن الوليد بن المغيرة هذا ، جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، يدعوه إلى أن يرجع عن دعوته ، وألا يشيع الفرقة والخلاف بين أهله وعشيرته ، فتلا عليه النبي آيات من آيات الله ، فرقّ لها قلب الوليد ، وخرج من بين يدى النبي ، وكأنه يحدث نفسه بأمر غير الذي جاء به. فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه ، فقال : يا عمّ. إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا! قال : لما ذا؟ قال : ليعطوكه ، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله (أي لتنال مما عنده من طعام أو نحوه) فقال : لقد علمت قريش أنى من أكثرها مالا! قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له ، كاره لما يقول! فقال : وما ذا أقول؟