قوله تعالى :
* (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) ..
فى هذه الآيات صورة معجزة من صور البيان القرآنى ، الذي تعجز أدق ألوان البيان مجتمعة أن تتعلق بأذياله ..
فبالكلمة ، شعرا ونثرا ، وبالصورة المتحركة والساكنة ، والناطقة والصامتة ، وبالموسيقى ، ألحانا مفردة ومجتمعة .. وبكل ما عرفت الإنسانية من ألوان الإبانة والتعبير ـ لا يمكن أن تجىء ـ ولو من بعيد ـ بمثل هذه الصورة القرآنية التي صوّر بها هذا الإنسان الشقىّ العنيد ، ظاهرا وباطنا ، فلم تدع الصورة خلجة من خلجات ضميره ، أو مسربا من مسارب تفكيره ، أو همسة من همسات خاطره ، إلا ألقت بها على قسمات وجهه ، ونظرات عينيه ، وحركات شفتيه ، فكانت شخوصا ماثلة للعيان ..
وانظر كيف كانت مسيرة هذا الضال العنيد ، مع آيات الله ، التي تليت عليه من رسول الله .. فلقد روى أن الوليد بن المغيرة ـ وكان ذا مكانة بارزة فى قريش ، وأشدهم عداوة لرسول الله ، وكان موسم الحج قد حضر ـ دعا سادة القوم إليه ، فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستفد عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا (يعنى رسول الله) فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيه ، فيكذّب بعضكم بعضا .. قالوا فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل ، وأقم لنا رأيا نقول به ، قال : بل أنتم ، فقولوا أسمع!