وبهذه النظرة إلى رسالة النبي ، من جهته هو ، ومن جهة المرسل إليهم ، تقوم الرسالة على ميزان صحيح ، مستقيم ..
فالرسول يرى في ضوء هذه النظرة ، أن حسابه فى هذه الرسالة مع ربه ، وأن جزاءه عليها ، هو من الله سبحانه وتعالى .. وهذا يجعل من شأنه ألا ينظر إلى الناس نظرة المحسن المتفضل ..
والمرسل إليهم يرون أن الذي يدعوهم إليه ، هو ربهم ، وليس بشرا مثلهم ، وأنهم إذ يستجيبون المرسول ، فإنما يستجيبون لله .. وهذا من شأنه أن يخفف كثيرا من مشاعر الغيرة والحسد عندهم ، ويذهب بكثير من دوافع الحميّة والأنفة والاستعلاء التي تملأ صدورهم ، والتي كثيرا ما تقوم حجازا بين الناس والناس ، فى تبادل المنافع ، وتقبل النصح والإرشاد ..
وفى قوله تعالى : «تستكثر» ـ حال من فاعل (وَلا تَمْنُنْ) أي لا تمنن مستكثرا من المنّ .. وهذا يعنى أن بعض المنّ مسموح به فى هذا المقام ، على أن يكون ذلك من أجل خدمة الدعوة ولحسابها ، كأن يقول النبي لقومه : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢٣ : الشورى) (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٨٦ : ص) ونحو هذا مما علمه الله سبحانه وتعالى النبي أن يقوله المشركين فى موقف الاحتجاج عليهم ، ودفع التهم التي يتهمونه بها .. فهذا وإن كان فيه شىء من المنّ ، إلا أن له ما يبرره من تصحيح أخطاء ، وتلبيسات ، وقعت فى نفوس المشركين ، من مقام الرسول فيهم هذا المقام ، وأنه فى نظرهم إنما يبغى من وراء هذا شيئا ما ، وإلا فماذا يحمله على ركوب هذا المركب الصعب إليهم؟
ثم يكون ختام ما يوصى به النبي فى هذا المقام أن يتجمل بالصبر ، وأن يوطن