وفى الحق أن هذا التخريج النحوي لا ينبغى أن ندخل به على آيات الله ، فذلك مما لا يتفق ومقام الإعجاز القرآنى ، الذي يزرى بقدره ، أن يوزن بميزان الكلام البشرى ، الذي يخضع الضرورات ، ويقبل الخطأ والانحراف .. تماما كما يزرى بقدر الذهب أن يوزن بميزان الحصى ، إن كان الحصى ميزان ..
وحسبنا فى هذا المقام أن نقف بين يدى مثل هذه الآيات ـ التي يجد فيها النحاة مجالا القول ـ فنضرب صفحا عن النحو ومقولاته ، ونفتح قلوبنا ، وعقولنا إلى هذا النور الذي يتدفق من آيات الله وكلماته ، فيكشف لنا معالم الطريق إلى مواقع الهدى ، والخير والفلاح.
ونمود إلى موقفنا بين يدى آيات الله فنقول :
كذلك ينبغى أن يعلم النبي من أول الأمر ، أنه رحمة مهداة من عند الله إلى عباد الله ، كضوء الشمس ، ونور القمر ، وماء السحب .. وإنه مما يكدر هذه النعمة ، أن يرى الناس منه استعلاء ، أو تطاولا بتلك المنن التي سيقت إليهم على يده .. فإن النفوس تكره ممن يحسن إليها أن يمنّ عليها بإحسانه ، ويذكّرها به ، وكأنه يريد لذلك ثمنا ، أىّ ثمن ، من ولاء وخضوع ، أو من جاه وسلطان (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
والأولى من هذا ، أن يبذل المحسن إحسانه ، من غير التفات إلى مواقعه ممن أحسن إليهم بالنسبة إليه ، وما أحدثه ذلك فى نفوسهم من تصافر أمامه ، أو تسبيح بحمده والثناء عليه ..
والإحسان من النبي ـ كما قلنا ـ هو إحسان منظور إليه على أنه من الله مباشرة إلى الناس ، وأن النبىّ هو حامل هذا الفضل ، وموصّل هذا الإحسان إليهم ..