إن المؤمن الذي فوض لله أموره ، لا يرى عاقبة هذه الأمور إلا أنها الخير ، والخير كله ..
أما غير المؤمن بالله ، فإنه يحمل وحده هموم نفسه ، ويتولّى تصريفها ، غير ملتفت إلى أن يدا قوية قادرة حكيمة ، رحيمة ، هى التي تتصرف فيها بسلطان غالب ، ومشيئة سابقة ، وقدر مقدور ـ فهو لهذا فى معاناة دائمة ، وفى مخاوف ووساوس لا تنقطع ، من عواقب أموره .. فإذا جاءه من أمر ما يسره ، لم تنطلق من نفسه رنة الفرح ، لأن هناك أمورا أخرى أصدرها ، وينتظر مواردها عليه ولا يدرى ما يجيئه منها ، فلا تقع الفرحة خالصة بما وقع ليده مما يسره .. وإن أصابه ما يسوءه ، قتل نفسه حسرة وندما ، لأنه فعل كذا ، ولم يفعل كذا ، وأنه لوسلك بأمره هذا الذي ورد عليه بهذا السوء مسلكا آخر ـ لما حدث له هذا الذي حدث .. وهكذا يظل يمضغ الحسرة والأسى ، حتى آخر لحظة من حياته .. فلا هو لما يسرّ مطمئن ، ولا هو لما يسوء واجد عزاء وسلوانا.
قوله تعالى :
* (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) ..
هو معطوف على قوله تعالى : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) .. أي اتخذ ربك الذي لا إله إلا هو ، وكيلا ، تستند إليه فى جميع أمورك ، بعد أن انقطعت إليه ، ووضعت وجودك كله فى سبيل مرضاته .. واصبر على ما يأتيك من المشركين من أقوال ضالة مفتراة ، وما يرمونك به من تهم باطلة كاذبة .. اصبر على سفاهتهم تلك وقولهم إنك مجنون ، وإنك شاعر ، أو كاهن ، أو مفتر متقوّل على الله .. اصبر على كل هذا ، فذلك هو من آثار هذا القول الثقيل الذي ألقيناه عليك ، وتلك هى المهمة الثقيلة التي انتدبناك لحملها .. وإنه لا يعنيك على حمل هذا العبء الثقيل إلا توكلك على الله ، واعتصامك بالصبر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ