إلا قليلا ، هو أمر قائم على اليسر ، حسب أحوال النبي ، وعلى قدر استعداده فى كل حال من أحواله .. ففى ليلة ، يقوم الليل كله إلا قليلا ، وفى ليلة أخرى ، يقوم نصف الليل ، وفى ثالثة ، يقوم أقل من نصف الليل ، وفى رابعة يقوم اكثر من نصفه .. وفى كل هذا ، هو ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد أدى غاية المطلوب منه ، وهو قيام الليل إلا قليلا منه ..
وقوله تعالى : (ورتل القرآن ترتيلا) ـ معطوف على قوله تعالى ، (قم الليل إلا قليلا) .. إذ ليس المطلوب هو قيام الليل فى ذاته ، وإنما المراد هو الذي يصحب هذا القيام ، من ترتيل القرآن ترتيلا .. فالواو هنا بمعنى المعية والمصاحبة .. ويجوز أن تكون واو الحال ، والجملة بعدها حالية ، أي قم الليل مرتلا القرآن ترتيلا ..
وترتيل القرآن ، هو قراءته فى تمهل وتتابع ، بحيث تتابع الحروف والكلمات ، فيأخذ كل حرف مكانه على الفم من كل كلمة ، كما تأخذ الكلمة مكانها من كل آية ، حتى ينتظم منها جميعها موكب متحرك فى نظام أشبه بنظام حبات الدر فى عقدها .. وهكذا كانت قراءة رسول الله للقرآن .. عن أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم. يقطّع قراءته آية آية» وعن أنس ـ رضى الله عنه ـ قال : «كان يمدّ صوته مدّا» وعن ابن عمر رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقال لصاحب القرآن (١) : اقرأ وأرق ، ورتّل كما كنت ترتل فى الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر تقرؤها»
ولفظ الترتيل ، يحتمل هذه المعاني كلها .. وهو من ترتّل الأسنان ، إذا
__________________
(١) أي فى الآخرة