الواو هنا للاستئناف ، وعطف موقف على موقف .. فالعطف هنا يشعر بأن نوحا فى موقف آخر ، غير الموقف الذي كان يقفه بين يدى ربه ، ويشكو إليه قومه وما صنعوا معه ..
وهو هنا فى هذا الموقف الذي بلغ به غاية المطاف مع قومه ، ينهى موقفه معهم ، ويقطع صلته بهم ، ويطوى صفحة رسالته فيهم ، بهذا الدعاء الذي يدعو به عليهم .. (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) أي ساكن دار ، وهو كناية عن القضاء على كل كافر ، وما يضم بيته من مال ومتاع .. والمراد بالأرض هنا ليس مطلق الأرض ، بل الأرض التي كان يسكنها قومه .. فإن نوحا أرسل إلى قوم ، ولم يرسل إلى الناس جميعا .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى أول السورة : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) ولو كان مرسلا إلى أهل الأرض جميعا ، لجاء النظم هكذا : إنا أرسلنا نوحا إلى بنى آدم .. مثلا ..
قوله تعالى :
* (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).
وفى هذا ما يشير إلى ما لقى نوح من قومه ، وإلى ما تحمل نفسه من بغضة لهم ، بعد أن تكشفت له أحوالهم ، وعرف الداء الخبيث المتمكن منهم ، والذي لا شفاء لهم منه أبدا ، بل إنه سيكون مصدر عدوى ، تذيع الكفر والضلال ، وتنشره فى الأرض ، بما يخرج من ظهورهم من أبناء يحملون جرثومة هذا الداء الخبيث الذي يعيش فى كيانهم.
والفاجر : هو الذي جاوز الحد فى ارتكاب الآثام ، ومقارفة الشرور ، فى غير تحرج أو تأثّم ..