الإنسان الهلوع ، كما يقول سبحانه : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣ : يوسف)
وفى قوله تعالى : «خلق» ـ إشارة إلى أن هذا الذي عليه الإنسان من كفر وضلال ، هو مما سبق به قضاء الله فيه ، واقتضته مشيئته ، كما يقول سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (٢ : التغابن)
ومع هذا القضاء السابق ، والمشيئة الغالبة ، فإن الإنسان مكلّف بأن يأخذ طريق الخير ، ويتجه إلى جانب الأمن والسلامة من عذاب الله ، لأنه لا يدرى ما قضاء الله فيه ، ومشيئته له .. ولكن الذي يدريه ويقطع به ، هو أن للنجاة طريقا ، ينبغى أن يسلكه ، وللهلاك طرقا يجب أن يتجنبها .. إنه يفرّق حتما بين النور والظلام .. وفى النور الهدى والسلامة ، ومع الظلام الضلال والضياع. فإذا آثر الظلام على النور ، والضلال على الهدى ، ولم يتحرك بإرادته للخلاص مما هو فيه ، فقد لزمته الحجة ، وحق عليه العقاب.
والهلوع : من الهلع ، وهو الجزع الشديد.
وقوله تعالى :
* (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)
هو بيان الهلع الذي هو طبيعة غالبة فى الإنسان .. فإن من شأن هذه الطبيعة التي تملّكها الهلع ، أنه إذا مس الإنسان شر لم يصبر عليه ، واستبد به الجزع ، واستولى عليه اليأس .. لأنه لا يستند إلى قوة القوىّ العزيز ، ولا يستعين بعون الرّحمن الرّحيم .. إنه فى دائرة مغلقة عليه مع هذا البلاء الذي نزل به ، لا يرى لهذا البلاء دافعا ، ولا يتوقع من وراء هذا الضيق فرجا .. أما المؤمن بالله ، فإنه إذا مسّه الشر ، وأصابه الضر ، نظر إلى وجه ربه الكريم ، وبسط يد الرجاء إليه ،