وأين المفر؟
إنه لا مفر من النار إلا إلى النار ، ولا مفزع من البلاء إلا إلى البلاء!.
ومع هذا اليأس القاتل ، فإن قسوة العذاب ، وشدة البلاء ، تحمل المجرمين على أن يفزعوا إلى أي مفزع ، ويتجهوا إلى أي متجه .. إنها محاولات لا بدّ منها ، وحركات تجرى فى النفس ، ولا تتخذ لها طريقا عمليا ، حيث اليأس المطلق ، الذي لا يلوح فى سمائه المتجهمة بصيص من أمل ، ولا أثر لرجاء ..
وننظر فى هذه الصورة المعجزة ، التي صورها القرآن الكريم لمسارب النفوس ومجرى الخواطر ، فى زحمة هذا المعترك الضنك الذي تبلغ فيه القلوب الحناجر ..
إنه لو قدر لآلات التصوير السينمائى أن تدخل إلى عالم النفس ، فترصد حركاتها ، وتكشف عن خفاياها ، لما أمكنها أن تأتى بما يقرب من هذه الصورة القرآنية فى إحكامها ، وصدقها ، وإحاطتها الشاملة بما تكنّ الضمائر ، وما تخفى الصدور ..
وننظر فى الصورة القرآنية ، التي عرضتها الآيات الكريمة.
(يودّ المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ يبنيه ، وصاحبته وأخيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن فى الأرض جميعا ثم ينجيه .. كلا .. إنها لظى ، نزاعة للشوى ، تدعو من أدبر وتولى ، وجمع فأوعى) ..
إن الإنسان هنا فى فم الهلاك ، وفى دائرة العذاب المطبق عليه .. وإن لذعة العذاب لتخرج الإنسان عن نفسه ، وتجعل أعضاءه ـ فى متدافع هذا العذاب ـ يرمى بعضها بعضا ، ويتّقى بعضها ببعض .. إنه لا شىء يحرص عليه