ثم لأنه لم يطعم المسكين ، وتركه يمضغ الجوع ، والحرمان ـ فليس له فى هذا اليوم طعام إلا من غسلين ، أي من صديد ، مما يفرزه المعذّبون بنار جهنم .. فهو يتغذّى من هذه الإفرازات الذاتية التي تفرز من جسده المحترق ، كما ترك هو الجائع المسكين يتغذّى من داخل جسده ، ويأكل بعض أعضائه بعضا ..
وقوله تعالى : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) هو وصف لهذا الطعام الجهنمىّ .. إنه طعام أصحاب الخطايا والآثام ، طعام المجرمين ، لا طعام لهم إلا هذا الطعام ، وما أشبهه!
هذا ، وفى خطاب أصحاب اليمين بلفظ الجمع فى قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) .. مضاعفة لنعيمهم ، وزيادة فى تكريمهم ، إذ يجمعهم الله على بساط هذا النعيم ، حيث يأنس بعضهم ببعض ، وحيث يتنازعون كئوس الخمر التي يطوف عليهم بها الولدان المخلدون .. (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ).
وعلى عكس هذا ، قد أفرد أصحاب الشمال فى عذاب الجحيم ، وحتى لكأنما كل واحد منهم قد اشتمل عليه العذاب وحده ، لا يشاركه فيه أحد ، مما قد يكون مصدر عزاءله .. وفى هذا مضاعفة لعذابه ، وبلائه .. (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) .. إن هذا أشبه بالحبس الانفرادى ، الذي يعانى فيه أهله ، تلك الوحشة القاتلة ، التي تجمع هموم الدنيا كلها فى قلوبهم ، غير مشارك لهم فيها أحد ..
____________________________________
الآيات : (٣٨ ـ ٥٢)
(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ