وفى قوله تعالى .. (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) .. إشارة إلى ما لرعاية المساكين والعطف عليهم من تقدير واعتبار ، فى مقام الإيمان ، حيث جاء ذلك بعد الإيمان بالله ، معطوفا عليه ، وموازنا له .. وهذا يعنى أن من الإيمان بالله العطف والإحسان إلى عباد الله ، إذ كان هؤلاء المساكين هم ضيوف الله ، فمن أكرمهم لله ، أكرمه الله ، ومن أهانهم ، وأمسك يده عنهم ، أهانه الله ، وأمسك رحمته عنه.
والحضّ على الشيء : الحثّ عليه ، وإغراء الغير به ..
وفى التعبير عن الدعوة إلى إطعام المسكين ، بلفظ «الحضّ» .. إشارة إلى ما فى الطبيعة الإنسانية من شحّ وبخل ، وحبّ للذات .. وأن الإحسان إلى الفقراء لا يكون إلا عن مغالبة هذه الطبيعة ، وحمل النفس على ما يخالف هواها .. وهذا إنما يكون عن مراودة بين الإنسان ونفسه ، وحثها على البذل والسخاء.
ثم إن فى بذل الإنسان ، وسخائه فى وجوه البر والمعروف ، حضّا صامتا على إشاعة الإحسان بين الناس ، حيث يرى فيه الناس قدوة حسنة فى هذا المقام.
قوله تعالى :
* (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ* وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ).
فهذا هو جزاء من لم يؤمن بالله العظيم ، ولم يحضّ على طعام المسكين .. إنه لا صديق له يدفع عنه هذا العذاب ، لأنه لم يكن له من عباد الله صديق ينال من خيره وبرّه .. فإذا ضاقت به الحال فى هذا اليوم ، فإنه لا يجد المعين الذي يمينه ، لأنه لم يقدم لأحد عونا فى حياته الدنيا ..