المعيشة الراضية ، وكشف عن وجهها الكريم.
وأين يجدها الذين وعدهم الله بها؟ إنها فى جنة عالية ، علوّا حسيا ، ومعنويا ، وإن قطوفها ـ أي ثمارها ـ دانية لمن يعيشون فيها ، فليس علوّها هذا بالذي يبعد ثمرها عنهم .. بل إن ثمرها دان قريب ، يجده طالبه حاضرا عتيدا بين يديه فى أي وقت يشاء .. كما يقول سبحانه : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (١٤ : الإنسان).
فهذه هى العيشة الكريمة الراضية ، التي تتعلق بها النفوس الكبيرة ، وتتطلع إليها الهمم العالية ..
قوله تعالى :
* (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ).
الخطاب هنا لأصحاب اليمين جميعا ، وقد استقر بهم المقام الكريم فى الجنة ، واجتمع بعضهم إلى بعض ، وسعد بعضهم بلقاء بعض ، ونازع بعضهم بعضا طيباتها وثمراتها .. ففى هذه المشاركة رضا إلى رضا ، وسعادة إلى سعادة ..
وقوله تعالى : (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) ـ إشارة إلى ما كان من المؤمنين من أعمال طيبة صالحة فى الأيام الخالية ، أي الحياة الدنيا ، التي خلّفوها وراءهم ..
فالباء فى قوله تعالى : (بِما أَسْلَفْتُمْ) باء السببية .. أي (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي طيبا ، لا ينالكم مما تأكلون أو تشربون تخمة أو سوء هضم ، أو نحو هذا ، مما يقع للآكلين والشاربين فى الدنيا ، وذلك بسبب ما قدمتم