وفى تسليط الفعل «أنزل» على الذكر ، الذي هو القرآن ، ثم على الرسول الذي يتلو آيات الله ـ فى هذا إشارة إلى مقام الرسول الكريم ، وأنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أشبه بآية من آيات الله المنزلة من السماء ، وأنه منزل إليهم من عند الله ، كما تتنزل عليهم آياته .. وهذا يعنى أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو فى ذاته مصدر هدى ، ومطلع رحمة ونور ، وأنّ من عجز عن أن يدرك ما فى آيات الله من حق وخير ، يستطيع أن يرى تأويل آيات الله فى رسول الله .. فهو صلوات الله وسلامه عليه ـ كتاب الله المنظور ، على حين أن القرآن هو كتاب الله المسموع .. والله سبحانه وتعالى يقول :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (٤٥ ، ٤٦ الأحزاب) .. فهو صلوات الله وسلامه عليه ـ سراج منير مرسل من عند الله ، كما أن القرآن الكريم (كِتابٌ مُبِينٌ) منزل من عند الله ..
وقوله تعالى : (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ..
هو بيان لمطالع الهدى من رسول الله ، ومن كتاب الله الذي بين يديه ، وأن هذه المطالع إنما تطلع على الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وأنهم هم الذين يستضيئون بهذا الهدى ، فيخرجون من دائرة الظلام إلى حيث يكون النور .. أما الذين كفروا ، فهم فى عمى ، وفى ضلال ، كما يقول سبحانه : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ، فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤ : فصلت) ..
قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً .. قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً).