وأصحاب البصائر ، أن يكون لهم مزدجر ، من هذا الذي حلّ بالظالمين ، المعتدين ، من نقم الله ، فى الدنيا ، ومن العذاب الشديد فى الآخرة ، وأن يتقوا الله ، ويلتزموا حدوده ، حتى لا يحلّ بهم ما حلّ بالظالمين من قبلهم.
وإنما خوطب أولو الألباب ، لأنهم هم الذين يمكن أن ينتفعوا بهذا الخطاب ، وأن يكون لهم من عقولهم داع يدعوهم إلى الاعتبار ، وإلى تلقّى العظة مما وقع لغيرهم ، قبل أن ينزل بهم .. فالعاقل من اتعظ بغيره ، قبل أن يكون هو عظة لغيره ..
وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) هو بدل من قوله تعالى : (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أو صفة لأولى الألباب ، أي فاتقوا الله أيها العقلاء المؤمنون .. فإن الذين آمنوا ، إنما آمنوا بما معهم من عقول دلتهم على مواقع الهدى ، وأرتهم ما فى الإيمان من خير فآمنوا .. أما الذين أمسكوا بكفرهم وضلالهم ، فإنهم ليسوا من أصحاب العقول .. (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤ : الفرقان) .. ومن تمام الإيمان أن يسلك بصاحبه مسالك الهدى ، وأن يقيمه على التقوى .. أما الإيمان ـ مجرد الإيمان ـ فإنه إن لم يتحول إلى طاقة من القوى الدافعة إلى السلوك الحميد ، والعمل الطيب ، كان زرعا بلا ثمر.
وقوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) أي قد أنزل الله إليكم ما فيه تذكرة لعقولكم ، وهو القرآن الكريم ، فانظروا فيه ، وتدبروا آياته ، وستجدون منه الهدى ، والنو ..
وقوله تعالى : (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) ..
رسولا ، بدل من «ذكرا» فى قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) فهذا الذكر الذي أنزله الله إليكم ، يتمثل فى هذا الرسول الذي يتلو عليكم آيات الله البينات الكاشفات لطريق الحق ، والهدى ..