حقيقة ما يقولون ، إذ كان ما يقولونه على خلاف ما يعتقدون ، وكان ما يجرى على ألسنتهم مكذّبا لما فى قلوبهم ..
قوله تعالى :
* (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ..
الجنة : السّنر الذي يجنّ ، أي يستر من يستجنّ به .. وبه سمى الدرع مجنّا ، لأنه يحمى لابسه من أن تناله الطعنات فى الحرب .. ومنه الجنون ، لأنه يستر عقل صاحبه من أن يرى حقائق الأمور ..
أي أن المنافقين ـ لما يشعرون به من أنهم كاذبون فيما يقولون ـ يحاولون دائما أن يبرروا أقوالهم ويزكوها بالحلف ، كى تقع من النفوس موقعا ، ولو أنهم كانوا صادقين فيما يقولون ، لما لزمهم أن يحلفوا ، لأن الصدق مستغن بذاته عن أي مبرر يبرره ، وينزله منزلته من العقول والقلوب ..
وقوله تعالى : (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ـ هو تعقيب على قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) والفاء للسببية ، أي أنهم بسبب ما نسجوا للكذب من أيمان فاجرة ، بدا لهم أن هذا النسيج يستر نفاقهم ، ولهذا صدّوا عن سبيل الله ، واتخذوا سبيلا غير سبيل المؤمنين ، وهم على ظنّ بأن أحدا لن يراهم ، على غير طريق الإيمان ، وهم مستجنّون بهذه الأيمان التي بذلوا لها بسخاء ، فى معرض الإخبار عن أنهم مؤمنون بالله ورسوله ..