أن يستدعوا للشهادة ـ (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ـ مؤكدين هذا القول بأكثر من مؤكّد .. وفى هذا كله ما ينطق عن أنهم كاذبون منافقون .. فالمؤمن إيمانا حقّا ، لا يجد فى نفسه ما يحمله على أن يعلن فى كل وقت ، عن إيمانه .. فهو منذ آمن عرف فى الناس بأنه من المؤمنين ، فلا يحتاج بعد هذا إلى أن يردّد على الأسماع ، مبادئا كلّ من يلقاه ، بأنه مؤمن .. ثم إن الصادق فى قوله لا يحتاج إلى أن يبرر صدقه بالحلف ، أو توكيد ما يخبر به ، وإنما يفعل ذلك من هو متهم ـ فيما يخبر به ـ عند نفسه ، متّهم عند الناس ، وأنهم يرون منه حقيقة ما يراه فى نفسه.
والمنافقون ، لا يؤمنون بأن الرسول هو رسول الله ، ولو كانوا على الإيمان بأنه رسول الله لما وقع النفاق فى قلوبهم .. ولهذا ـ فهم لكى يبرئوا أنفسهم من تهمة النفاق ـ التي يتهمون بها أنفسهم قبل أن يتهمهم أحد ـ يبادرون إلى لقاء النبي ، مؤكدين له بأنهم يشهدون أنه رسول الله : (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ)!!
وقد ردّ الله سبحانه عليهم شهادتهم تلك ـ وإن كانت تقول الصدق ـ لأنها خرجت من أفواه لا تقول إلا الزور من القول ، وأن كلّ قول تقوله ، إذا كشف عن حقيقته ، وأزيل عنه هذا الطلاء الزائف ـ كان سرابا خادعا .. ولهذا جاء قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) ليقيم مكان قولهم الزائف قولة الحق ، من الحق سبحانه وتعالى فى رسوله .. ولهذا أيضا وقع التطابق اللفظي بين قولهم : (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) .. (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ..
وقوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) ـ هو فى مقابل قولهم : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) .. فقد شهد الله عليهم بأنهم كاذبون فى