المكان الجديد ، حتى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ، فقالوا لموسى ، اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ..
وفى مكانهم الجديد ينزل الله عليهم المنّ والسلوى ، ثم لا تلبث طباعهم النكدة أن تنفر من هذا الطعام ، كما نفرت قلوبهم المظلمة من الإيمان بالإله الواحد ، فقالوا لموسى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها) (٦١ : البقرة) .. وإنهم وهم يطلبون ما يرضى طباعهم الخبيثة ، لا يقولون لموسى : ادع لنا ربنا ، بل يقولون (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) فكأنهم لا يعترفون بربّ موسى ربّا لهم.!
ويذهب موسى لميقات ربه ، ثم يعود إليهم ، فيجدهم قد اتخذوا من حليّهم عجلا جعلوه إلها يعبدونه ، كما يقول سبحانه : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً .. اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ ..) (١٤٨ : الأعراف).
فهذه المواقف الضالة ، المسرفة فى الضلال ، هى التي كانت تؤذى موسى ، ونزعجه ، إذ كانت تهدم كل بناء يقيمه ، وتفسد كل طريق يصلحه.
وفى قوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) أي لم تؤذوننى بهذا الخلاف علىّ ، والخروج عن السبيل الذي أقيمكم عليه ، وأنتم تعلمون أنى رسول الله إليكم ، بما أقمت أمام أعينكم من آيات ومعجزات ، هى شهادة قائمة بأنّى رسول من عند الله.؟
فالواو هنا ، واو الحال ، و (قد) حرف تحقيق ، يفيد التوكيد ، والجملة حالية ، وقد جىء بالفعل المضارع بدل الماضي ، للدلالة على أن هذا العلم قائم بينهم ، وأن الآيات والمعجزات لا تزال تتنزل عليهم ، وفى هذا ما يشير إلى ما فى طبائع القوم من عناد وجماح عن الانقياد للحق ، والاستقامة على طريق الهدى.