أي أنه ـ أيها المؤمنون ـ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم الذين أمسكوا بشركهم ، فقد أصبحتم فى حزب الله ، وظلّوا هم فى حزب الشيطان ، ولن يجتمع حزب الله وحزب الشيطان ، ولن يتبادلوا المنافع بينهم .. فليس فى جانب المشركين إلا السوء والضلال .. وكما فرق الإيمان بينكم وبين أرحامكم وأولادكم المشركين فى الدنيا ، كذلك يفرق بينكم وبينهم يوم القيامة .. فأنتم فى رحمة الله ورضوانه ، وهم فى سخط الله وعذابه ..
قيل إن هذه الآيات نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة ـ وهو صحابىّ ممن شهد بدرا ـ وكان ذلك بعد صلح الحديبية ، وبعد أن نقضت قريش شروط الصلح التي صالحها عليها النبي يومئذ .. وكان النبىّ يعدّ العدّة لفتح مكة ، ويتجهز لهذا فى سر وخفاء ، حتى لا تعلم قريش ، وتستعد للحرب ..
وكان حاطب بن أبى بلتعة حين هاجر من مكة قد خلّف بعض أهله بها ، ولم يكن له فى مكة عصبية تحمى أهله المخلفين هناك ، من أذى قريش ، فأراد أن يصطنع عند قريش يدا ينتفع بها أهله عندهم ، فبعث إليهم برسالة مع امرأة من مكة كانت قد وفدت إلى المدينة ، فلما قفلت راجعة إلى مكة ، أعطاها «حاطب» رسالة إلى قريش ، يعلمهم فيها أن النبي يعد العدة لحربهم ، وأوصى المرأة أن تخفى الرسالة ، وأن تكتم أمرها ، لقاء مال أعطاها إياه .. فلما أخذت المرأة طريقها إلى مكة ، جاء خبر السماء إلى النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بما كان من هذا الحدث ، فبعث النبي بجماعة من أصحابه فيهم على بن أبى طالب رضى الله عنه ، يتبعون المرأة ، ويأخذون الرسالة التي معها .. فلما جىء بالرسالة إلى النبي ، دعا إليه حاطبا ، وسأله عن أمر هذه الرسالة ، فاعترف بها ، واعتذر للنبى صادقا ، بأنه لم يرد بهذا كيدا للمسلمين ، ولا ممالأة للمشركين ، وإنه ليعلم أن الله سيؤيد النبي بنصره ، وأنه لن يغنى عن قريش أي تدبير يدبرونه