من جلال وقدرة ، وأنه على خوف من جلال الله وقدرته ، ولكنه ـ وقد غلبت عليه شقوته ، وأعماه حسده لأبناء آدم وعداوته لهم ـ ذهل عن هذا ، فى سبيل الانتقام لنفسه ، وما يحمل للإنسان من عداوة وحسد ، لما كان من تكريم الله لآدم ، وأمر الملائكة بالسجود له ، واستعلاء إبليس واستكباره عن أن يكون من الساجدين ، فلعنه الله وطرده من عالم الملائكة .. فخرج بهذه اللعنة ، وهو على عزيمة بأن ينتقم من آدم ومن ذريته ، ولو كان فى ذلك هلاكه!! وكم من الناس من يعلم الحق ويأخذ نفسه بخلافه ، ويعرف الطريق القويم ، ويسلك المعوج؟. وهل كان موقف المشركين من النبي إلا عن حسد وكبر واستعلاء؟ إنهم كانوا يعرفون صدق النبي ، ومع هذا فقد بهتوه ، وكذبوه ، وأبوا أن يقبلوا هذا النور الذي بين يديه ، وآثروا أن يعيشوا بما هم فيه من عمى وضلال .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ). (٣٣ : الأنعام)
وفى هذا التشبيه ، يمثل المنافقون دور الشيطان ، فهم يعرفون طريق الحق ويتجنبونه ، وهم يزينون الشر لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ، ويدعونهم إلى المحادة لله ولرسوله ، ويشدون ظهرهم فى كيدهم للنبى وخلافهم له .. حتى إذا وقعت الواقعة بهم ، نظر إليهم هؤلاء المنافقون نظر الشيطان إلى صاحبه الذي استجاب له ، وأروهم أنهم لا يستطيعون أن يخفّوا إلى نجدتهم ، وأنهم يخافون النبي والمسلمين ، كما يخاف الشيطان الله رب العالمين .. وهنا نذكر قول الله للمؤمنين عن المنافقين : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ).
ففى هذا التشبيه ثلاثة أطراف .. الشيطان ، والإنسان الذي أضله الشيطان ، والله ، الذي يخافه الشيطان ..
وفى مقابل هذه الأطراف : المنافقون ، وإخوانهم اليهود ، والنبي وأصحابه الذين يخافهم المنافقون ..