انشزوا : النشز ،
المكان المرتفع من الأرض ، والخارج على المنبسط منها .. والمراد بالنشوز هنا ،
الخروج من المجلس .. ومنه الناشز ، وهى المرأة الخارجة عن طاعة زوجها ، والنشاز من
كل شىء : الخارج على الوضع العام له .. ومنه قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ
نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) (٢٥٩ : البقرة)
ومناسبة هذه الآية
لما قبلها ، هى أن الآيات السابقة ، أشارت إلى مجالس يتناجى فيها أهل المجلس ،
ويفضى بعضهم إلى بعض بسره .. أما المنافقون فلا يتناجى بعضهم إلى بعض إلا بالإثم
والعدوان ومعصية الرسول ، وأما المؤمنون فيتناجون بالبر والتقوى .. فناسب ذلك أن
يذكر ما ينبغى أن يأخذ به المؤمنون أنفسهم ، من آداب فى مجالسهم العامة التي لا
مناجاة فيها والتي يباح لأىّ منهم أن يأخذ مكانه فيها ، وذلك ، حتى لا يقع فى
مجلسهم ما يثير ضغينة ، أو يوقع عداوة ..
ومما ألزم الله
سبحانه وتعالى به المؤمنين من آداب المجلس ، أن يوسع بعضهم لبعضهم ، وأن يفسحوا
للقادم عليهم مكانا بينهم ، فهو أشبه بالضيف ، ومن حق الضيف الترحيب به ، وإنزاله
منزل الإكرام .. وإكرام الوافد على المجلس ، هو أن يجد له مكانا بين أهل المجلس ،
وأن ينزل المنزل المناسب له بينهم ، حسب دينه ، وعلمه .. فلا يتصدر المجلس جاهل
وفى المجلس عالم ، ولا يتصدره من رقّ دينه وفى أهل المجلس من كان ذا دين وتقوى ..
وفى المأثور: «أنزلوا الناس منازلهم»
ويذكر المفسرون
لهذه الآية سببا للنزول ، فيقولون : إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، كان فى
مجلس وحوله بعض أصحابه ، فجاء بعض وفود العرب إلى النبي ، فسلموا ؛ فرد النبي
والمسلمون عليهمالسلام ، ولم