فمعنى القدرة فى الآية الكريمة ليس معناه القدرة المتحكمة ، المتمكنة ، وإنما معناه الاستطاعة التي تمكن صاحبها من بلوغ ما بلغه غيره من الناس ، فى السبق إلى منازل الفضل والإحسان.
ومعنى القدرة على فضل الله ، إمكان التعرّض له ، والنيل منه ، على حسب ما يعمل الإنسان ، فى سبيل مرضاة ربه ، وابتغاء رضوانه.
وفى اقتصار فضل الله على شىء منه فى قوله تعالى (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ـ فى الاقتصار على هذا ليس من باب التحدي بالقدرة على هذا الشيء من الفضل ، فضلا عن الفضل كله ، وإنما هو إشارة إلى أن هذا الشيء من فضل الله ، هو من الكثرة بحيث يسع الوجود كله ، وأنه إذ أخذ العرب من هذا الشيء ما أخذوا ، فإن ما أخذوه ليس إلا قطرة من بحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ..
والآية الكريمة إنما تخاطب بهذا أهل الكتاب ، الذين غلب على تفكيرهم ـ وخاصة اليهود منهم ـ أنهم شعب الله المختار ، وأن الله سبحانه إذا اختار شعبا ـ كما يزعمون ـ فإن فضله كلّه يتجه إلى هذا الشعب ، فلا تكون منه بعد هذا بقية ينالها أحد! وهذا من سوء ظنهم بالله ، وتصورهم القاصر المحدود ، لجلاله وعظمته ، وكماله .. ولهذا كان الحديث إليهم عن شىء من فضل الله ، وأن هذا الشيء من فضل الله ، يسع الوجود كله .. وإذن فلا يحجبهم عن الإيمان برسول الله هذا الشعور الخاطئ الذين يعيشون به ، والذي يحيّل إليهم منه أن العرب إذ سبقوا إلى فضل الله ، فلن يكون لأحد من بعدهم نصيب فى هذا الفضل ..
ورتّل بعد هذا الآيتين الكريمتين معا :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ