قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ..
الكفل. النصيب ، والجزاء المقدور لما يأتى الإنسان من قول أو عمل .. وكفالة الشيء ، رعايته ، والقوامة عليه ، سواء أكان شخصا ، أو قولا ، أو عملا ، ومنه قوله تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) (٣٧ : آل عمران) ..
والخطاب هنا للمؤمنين من أهل الكتاب ، الذين ذكرهم الله سبحانه فى الآية السابقة بقوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ).
وهذا الخطاب ، هو دعوة لهؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسىعليهماالسلام .. أما الذين آمنوا بموسى ، ولم يؤمنوا بعيسى فهم غير مؤمنين ، وكذلك من آمنوا بعيسى ولم يؤمنوا بموسى ، فهم غير مؤمنين أيضا ، إذ كانت دعوة عيسى عليهالسلام مكملة لدعوة موسى. كما يقول المسيح : «ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل» ..
والدعوة الموجهة للمؤمنين من أهل الكتاب هنا ، هى دعوة إلى أن يتقوا الله ، فى أنفسهم ، وفى دينهم ، وألا يهلكوا أنفسهم ، ويفسدوا إيمانهم .. وأنهم إذا ألزموا أنفسهم التقوى كان عليهم أن يؤمنوا برسول الله وهو محمد صلوات الله وسلامه عليه .. فإن ما يدعوهم إليه ، هو الإيمان الذي يؤمنون به ، إن كانوا مؤمنين حقّا. ولهذا ناداهم الله سبحانه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) .. فمن كان مؤمنا حقا من أهل الكتاب ، فإنه لا يجد فى الإيمان برسول الله ، محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلا دعوة مجددة للإيمان الذي تحمله دعوة موسى وعيسى ، عليهماالسلام ..