حتى يكون لهم من ذلك وقاية من آفات ذوى الشر والعدوان ..
ولقد كانت دعوة المسيح ـ عليهالسلام ـ إلى اليهود ، أن «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ، ومن نازعك رداءك ، فاخلع له ثوبك أيضا» ـ كانت تلك الدعوة بلاء من الله لليهود ، ونقمة منه سبحانه ، بعد أن بغوا وأفسدوا فى الأرض .. وكانت تلك الجرعات المرة القاسية التي قدمها السيد المسيح لهم ـ هى من بقايا الكئوس المرة القاسية ، التي تجرعها الناس من سموم كيدهم ، ومكرهم!.
فليس ثمة من سبيل ؛ ولا لوم ، على من انتصر من بعد ظلمه ، فانتصف ممن ظلمه. وأخذ بحقه منه .. وإنما السبيل واللوم على من بدأ بالظلم ، وبغى على الناس .. أو على من انتصر من بعد ظلمه ، فجاوز الحد ، وانتهى به ذلك إلى أن يكون من الظالمين الباغين .. فهؤلاء لهم عذاب أليم ، هو قصاص من العدل الإلهى ، ينتصف فيه سبحانه للمظلوم من ظالمه ..
قوله تعالى :
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
الواو للقسم ، واللام واقعة فى جواب القسم .. والإشارة إلى الصبر والمغفرة. أي إن الصبر والمغفرة من عزم الأمور.
وعزم الأمور ، هو موجبها ، ولازمها ، الذي هو ملاكها ، الذي تقوم عليه ، بحيث لا يتم لها وضع صحيح إلّا به .. فلكل أمر عزيمة ، هى السبب أو الأسباب الموصلة إليه .. وفى الحديث : «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه» .. وهى فرائضه ، وما أوجبه الله سبحانه على عباده.
وفى إسناد عزم الأمور إلى الفاعل ، أي فاعل الصبر والمغفرة ، بدلا من إسناده إلى ذات الصبر والمغفرة ـ إشارة إلى أن المعوّل عليه فى إعطاء القيمة للصبر