بما هو أولى من جزاء السيئة بسيئة مثلها ، وهو العفو عن المسيء ، وذلك بعد القدرة عليه ، ووقوعه ليد من بغى عليه .. فإن العفو مع القدرة ـ كما قلنا ـ هو عقوبة للمعتدى ، ووقعها على النفوس الحية أقسى وأمر من كل عقوبة ..
وفى قوله تعالى : (وَأَصْلَحَ) ـ إشارة إلى أن لمن أراد أن يأخذ بالعفو أن يسلك الطريق الذي يراه فى هذا المقام ، فله أن يعفو عفوا عامّا ، وأن يعفو عن بعض ، ويأخذ ببعض ، حسب ما يرى من المعفوّ عنه ، ومن الظروف والأحوال المحيطة به ..
وفى قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ـ إشارة إلى المنتصر بعد ظلمه ، ألا يتجاوز حدود الأخذ بحقه ممن ظلمه ، وإلا كان ظالما ، وانتقل بذلك من مبغىّ عليه إلى باغ ، ومن مظلوم إلى ظالم ، وقد كان الله سبحانه نصيرا له ، فأصبح مخذولا من الله ، مذموما : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
قوله تعالى :
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
هو عرض شارح لقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) .. وهو تحريك أيضا لمشاعر الثورة على البغي ، ودفع لما يجد أهل السلامة والصلاح فى صدورهم من حرج فى أن ينالوا أحدا بسوء ، حتى ولو كان مسيئا .. وهذا خروج على سنن العدل ، ومجافاة لطبيعة الحياة ، وإطلاق لأيدى السفهاء أن يعيثوا فى الأرض فسادا ، وأن يبتلى بهم الأنقياء والأبرار ابتلاء عظيما .. ولهذا جاء الإسلام يقرر هذه الحقيقة ، ويعطى أهله حق الدفاع عن أنفسهم ، بلا بغى أو عدوان ،