بالمسلمين من المدينة للقاء عير أبى سفيان ، لم يكن مخرجه لحرب قريش .. فلما أفلتت العير ، جاءت قريش لتستنقذ العير أولا ، ثم لتحارب النبي ثانيا .. فلما خلصت لها العير اتجهت إلى الحرب .. فكان هذا موقفا جديدا بالنسبة للنبى والمسلمين ، ولم ير صلوات الله وسلامه عليه أن يلزم المسلمين رأيا فيه ، فطلب رأيهم فى الحرب ولقاء قريش ، أو العودة إلى المدينة .. فكان الرأى الذي أجمع عليه المسلمون ، هو الحرب ، ولقاء العدوّ .. وقد كانت الحرب ، وكان النصر!
هذه هى بعض ملامح الشورى ، فى الإسلام. وهى .. كما ترى .. وثيقة من أروع الوثائق ، ودستور من أقوم الدساتير فى بناء المجتمع. وفى وصل مشاعر أفراده بعضها ببعض ، وفى صبّ آراء أفراده فى مجرى واحد ؛ يفيض بالخير والبركة عليهم جميعا ..
***
قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).
هو استكمال لصفات الذين آمنوا .. فإن من صفاتهم ـ إلى جانب ما ذكر لهم من صفات ـ أنهم لا يقبلون الظلم ، ولا ينزلون على حكم الظالمين ، بل إنهم حرب على الظلم وأهله ، يبذلون فى سبيل ذلك كل جهدهم ؛ وما ملكت أيديهم حتى إنهم ليقدّمون أنفسهم ، ويبيعونها بيع السماح من أجل إقرار الحق ، وإعلاء كلمته ، والضرب على يد الباطل ، وتنكيس رايته .. وليس الجهاد فى سبيل الله ، والاستشهاد فى ميدان الجهاد ، إلا صورة من صور دفع الظلم فى أبشع صوره ؛ وردّ البغي فى أقبح وجوهه .. لأن حرب الشرك والكفر هى