المسخرة ، التي تجريها وتدفعها فوق الماء .. ولو شاء الله سبحانه لأمسك هذه الريح ، فسكنت وسكن مع سكونها جريان هذه الفلك ، فتظل رواكد على سطح الماء .. لا تتحرك ..
وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) .. أي إن فى هذه السفن الجارية على الماء لآيات ، لا آية واحدة ، لكل صبار ، أي كثير الصبر ، يجد من صبره ما يعينه على الوقوف الطويل ، الدارس ، المتوسم ، فى آيات الله ، فيرى فى كل معلم من معالم هذا الوجود آيات من قدرة الله ، وشواهد من إبداعه ، وحكمته ، وتدبيره .. وهذا هو بعض السرّ فى جمع الآيات ، إذ لا يمكن أن يرى فى هذه الفلك وجريها على الماء ، تلك الآيات منها ، إلا الدارس ، المتأمل ، الذي يعينه صبره على الوقوف الطويل ، والنظر المتفحص .. أما من ينظر نظرا عابرا فى معالم هذا الوجود ، فإنه لا يرى إلا صورا وأشباحا .. إنه نظر جامد ، أشبه بالمرءاة تظهر عليها صور الأشياء ، ثم لا تمسك منها بشىء .. والله سبحانه وتعالى يقول فى أصحاب هذا النظر البارد الفاتر ، الساهم : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (١٠٥ : يوسف) .. وفى قوله تعالى : (شَكُورٍ) إشارة أخرى إلى أنّ هذه الآيات التي يراها المتأملون الدارسون ، لا تكون آيات وشواهد إلا إذا صادفت قلبا مؤمنا ، يردّ هذه الآيات التي تكشفت له ، إلى قدرة الله ، وتدبيره ، وحكمته ، فيفيض قلبه تسبيحا بحمد الله وشكرا له .. أما من يرى هذه الآيات بعين لا تكتحل بنور الإيمان ، فإن هذه الآيات لا تحيا فى وجدانه ، ولا تعيش فى مشاعره ، فلا ينفعل بها ، ولا يهتز لروعتها وجلالها ، الذي يرى فيه المؤمنون بعض جلال الله ، وروعة حكمته!