وليست الحرب النفسية سلاحا يتحصن به المحاربون ، ضد عوامل الوهن والضعف ، التي تدخل عليهم فى ميدان القتال ، وإنما هى سلاح أيضا يستخدمه المحاربون فى التدسس إلى عدوّهم ، وإشاعة الرعب فى نفوسهم ، وإشعال نار الفتن بينهم .. وذلك مجال فسيح للعمل والتدبير ، يحتاج إلى العقل الذكي ، والبصيرة النافذة ، والنظر المتفحص ، وإلا ارتد هذا السلاح إلى اليد التي تضرب به .. ذلك أن المعركة هنا معركة هنا معركة داخل النفس البشرية ، التي لا ساحل لها ، ولا نهاية لأعماقها ، والتي هى دائما فى معرض التقلب والتحول ، وفى معاناة المدّ والجزر .. فمن جاءها على حال غير مواتية لها ، غير جارية مع الريح التي تجرى فيها ، لم يبلغ منها شيئا ، بل ربما انقلبت حربا عليه.
وقد اهتدى الإنسان بطبيعته ، إلى أن تكون النفس ميدانا من ميادين الحرب التي يشتبك فيها مع غيره من بنى جنسه ، وأن يتخذ منها درعا واقية له .. حيث يدخل المعركة ، وقد صفىّ حسابه بينه وبين نفسه ، وأجلى عنها كل نوازع الخوف من الموت ، أو الإشفاق على ما يخلّف وراءه من ولد ، وأهل ، وصديق .. يقول قطرىّ بن الفجاءة : وقد راودته نفسه على أن يطلب السلامة ، ويدع مواطن الحرب ، وما يتعرض له المحاربون من قتل .. يقول :
أقول لها وقد طارت شعاعا |
|
من الأبطال ، ويحك ، لن تراعى |
فإنك لو سألت بقاء يوم |
|
على الأجل الذي لك لم تطاع |
فصبرا فى مجال الموت صبرا |
|
فما نيل الخلود بمستطاع |
وفى الوقت الذي يتخذ فيه المحارب ، من الحرب النفسية درعا حصينة ، يتحصن بها ، من عوارض الخوف والخور ، التي تعرض له ـ فى الوقت الذي يفعل فيه هذا ـ يعمد إلى الهجوم على نفس عدوّه ، فيريه من بأسه وقوته قبل أن يلقاه ، ما ينخلع به قلبه ، وما تطير منه نفسه شعاعا ..