وكيف يكونان متماثلين؟ أمثل الجنة التي وعد المتقون ، ينعمون فيها بما يشاءون كمثل النار التي يلقى فيها المجرمون ، يطعمون من جمرها ، ويشربون من لهيبها؟
ويلاحظ فى الآية الكريمة أن عرض المقابلة بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، لم يكن متطابقا ، فقد جاءت الجنة مقابلة لأصحاب النار هكذا : «مثل الجنة التي وعد المتقون .. كمن هو خالد فى النار؟ ولو جاءت المقابلة على وجه التطابق ، لجاء النظم هكذا : أمثل الجنّة التي وعد المتقون .. كمثل النار التي وعد المكذّبون المجرمون؟ أو هكذا : أمثل أصحاب الجنة التي ينعمون بطيباتها .. كمثل أصحاب النار الذين يتقلبون على جمرها؟
فما وجه هذا؟ وما سرّه؟
الجواب ـ والله أعلم ـ من وجوه :
فأولا : ليس المهمّ فى بلاغة المقابلة بين الأمور ـ لكى تتضح وجوه الخلاف بينها ، ومن ثمّ تتضح سمة كل مقابل فى وجه مقابله ـ ليس المهم فى بلاغة المقابلة هنا ، هو التطابق بين الصورتين ، الموجبة والسالبة ، كما فى العمل «الفتوغرافى» .. وإنما الصميم من البلاغة ، هو أن يقع التطابق فيما وراء الغلاف الخارجي ، أو السطح الظاهري للأشياء .. بحيث يبلغ أعماقها ، وينفذ إلى جوهرها ..
وثانيا : هنا فى هذه الصورة التطابقية التي جاءت بها الآية الكريمة ، لأصحاب الجنّة وأصحاب النار ـ نرى صورتين متطابقتين أتم التطابق وأكمله وأروعه ..
ففى صورة النعيم ، نرى جنّة!
وهذه الجنة موصوفة بصفتين :
أولاهما : أنها للمتقين الذين وعدهم الله إياها ..
وثانيهما : أن فيها أنهارا من ماء غير آسن ، وأنهارا من لبن لم يتغير