والفساد ، يغرى بعضهم بعضا ، ويغوى بعضهم بعضا ، وإذا هم جميعا يتبادلون أهواءهم بينهم ، فكل منهم يأخذ بهوى الآخرين .. وهذا هو المصدر الذي يجىء منه التزيين ، كما يقول سبحانه : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) .. (١١٢ : الأنعام).
قوله تعالى :
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ، فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ ، وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) ..
هذا تعقيب على الآية السابقة : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ؟) ..
ففى قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ..) الآية ـ فى هذا ، جواب على هذا السؤال الذي أثارته الآية السابقة .. وقد جاء هذا الجواب فى صورة سؤال يحتاج هو الآخر إلى جواب ، ولكن جواب هذا السؤال قريب واضح ، يكاد يمسك باليد ..
فما هى إلا نظرة يلقيها الإنسان إلى أهل الجنة وما يلقون فيها من نعيم ، وإلى أهل النار ، وما يساق إليهم من عذاب ، حتى يرى هذا البعد البعيد بين حال هؤلاء وأولئك .. أصحاب الجنة ، وأصحاب النار .. من كان على بينة من ربه ، ومن زين له سوء عمله فرآه حسنا .. ومن هنا كان من المناسب ، ذكر الجنة ، وما فيها من ألوان النعيم ..
وقوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) .. هو استفهام يردّ به على الاستفهام فى قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) .. والتقدير : كلا .. ليس من كان على بينة من ربه ، كمن زين له سوء عمله ،