ونقول : نعم ، هذا ممكن .. فإن هذا الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه وتعالى ، وفضله على كثير من خلقه ، وجعله خليفة له فى الأرض ـ هذا الإنسان ، قد نزع بيده هذا الثوب الكريم الذي ألبسه الله إياه ، وتخلى عن عقله الذي هو التاج الذي نال به شرف الانتماء إلى الإنسانية .. وقد عطل وظيفة هذا العقل ، فلم ينظر به فى آيات الله الكونية ، ولم ير من خلال هذا النظر وجه خالقه ، ولم يتعرف إلى ما للخالق سبحانه من جلال وقدرة ، ثم إنه حين جاءته آيات الله على يد رسله لم يتنبه من غفلته ، ولم يحد عن طريق ضلاله ، بل ازداد كفرا بالله ، ومحادّة له ـ فكان بهذا على غير صورة الإنسان الذي كرمه الله ، وخلقه فى أحسن تقويم. إنه حينئذ هو الإنسان فى أسفل سافلين ، ومن هنا كان إلى الحيوان أقرب منه إلى الإنسان ، ومن هنا أيضا كان حيوانا يقدّم على مذبح التقرب إلى الله ، إذا هو أعمل قرونه ومخالبه وأنيابه فى عباد الله .. وأولياء الله .. فإن هو أمسك شره ، فلم يعرض لعباد لله بأذى ، ترك وشأنه ، كما تترك الوحوش فى الغابات.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ).
هو تنويه خاص بشأن الذين يستشهدون فى سبيل الله. فهؤلاء الشهداء لن يضل الله أعمالهم ، بل سيقيمها على طريقه المستقيم ، حيث تنزل منازل الرضا والقبول من الله رب العالمين .. فهم داخلون أولا فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) ثم هم مختصون ثانيا بهذا لذكر ، الذي يقيمهم بعد موتهم ، مقام الأحياء ، الذين لم يفارقوا هذه الدنيا ، وذلك بإصلاح بالهم ، على حين يقيمهم مقام أهل الجنة قبل أن يدخلها أحد غيرهم ، فهم ساعون إلى الجنة ، آخذون طريقهم التي يعرفونها ، إليها ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَ