ويستنبئون أنباءه ، حتى إذا لا حت لهم بشائره ، ولمعت بروق غيوته ـ أقبلوا عليه مسرعين ، فى لهفة وشوق ، لا يثيهم عن وجهتهم إليه بعد الشقة ، ولا قلة الزاد ، ولا تربص الأعداء .. وكما يسعى الكائن الحي إلى رزقه ، ويطرق من أجله كل باب يخيل إليه أن وراءه شيئا يشبع جوعه ، أو يطفىء ظمأه ـ كذلك يفعل الراشدون والعقلاء من الناس ، حيث يسعون فى طلب غذائهم الروحي ، والعقلي ، كما يسعون فى طلب حاجة الجسد ، وما يكفل له الحياة الهنيئة الطيبة ..
وإذا كان النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد وجد فى هذا الخبر السماوي الذي يحمل له أنباء هذا الوفد الكريم ، الذي بات فى ضيافته ، يتلقى أكرم وأطيب ما يتلقاه ضيف من مضيفه ، من بر وإحسان .. حيث قضى هذا الضيف ليلة مباركة يستمع فيها إلى ما يتلو الرسول من آيات الله ، ويتلقى من أنوار هذه الآيات ونفحاتها حياة مجددة للأرواح ، مطهرة للقلوب ، مزكية للنفوس ـ وإذا كان النبي الكريم ، قد وجد فى هذا الخبر السماوي ما آنس وحشته ، وثبت فؤاده ، وآسى جراح نفسه مما أصابه من يد السفهاء وأفواههم من رميات عمياء حمقاء ـ فإنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ رأى فى نور هذه الآيات ، ومضات مشرقة واضحة على طريق دعوته ..
أن هذه الدعوة ستأخذ لها مطلعا جديدا تطلع منه ، وأنها ستلتقى بوجوه أخرى لم يكن فى حساب الدعوة أن تلتقى بها فى هذه المرحلة من مسيرتها .. وأنه كما صرف الله إلى النبىّ نفرا من الجن يستمعون القرآن ، ويؤمنون به ، ويحملون دعوته إلى قومهم ، كذلك سيصرف إليه نفرا من الناس ، يجلسون إليه ، ويستمعون إلى ما يكون من آيات الله ، ويؤمنون بما يتلى عليهم ، ثم ينقلبون