الطائف .. وفى هذا المنزل بات النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مع آيات ربه ، يرتّلها ، ويتلقى منها أمداد الصبر ، والعزم ، بما يتلو من قصص الأنبياء السابقين ، وما احتملوا فى سبيل الدعوة إلى الله من سفهاء قومهم وشياطينهم ..
وما يكاد النبىّ تختم تلاوته ، ويفرغ من صلاة الصبح ، حتى يستقبل مع أضواء الفجر ، سفير السماء إليه من ربه ، يحمل إليه قرآنا ينبئه بما كان فى ليلته تلك ، وأنه لم يكن وحده فى هذا المنقطع من الأرض ، وأنه إذا كان قد وجد من الناس إعراضا عنه ، وزهدا فيما بين يديه وعلى فمه من آيات الله ـ فإن لله سبحانه جنودا غير الناس ، يعمر بها كل قفر .. فهاهم أولاء جند من جنود الله ، قد جاءوا إليه يستمعون القرآن ، ويحسنون الاستماع إليه ، وينتفعون بما استمعوا منه ، فيؤمنون برسول الله ، ويصدقونه ، ثم لا يقفون عند هذا ، بل يصبحون دعاة يدعون بدعوته ، ويبلغون رسالته إلى من لم تبلغه من قومهم ..
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
وإذن ، فالنبى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يكن وهو فى هذا المكان المنعزل ، بعيدا عن موقع الدعوة ، بل إنه قائم عليها ، حيث تجد آذانا تسمع ، وعقولا تعقل ، وقلوبا تؤمن .. وأنه إذا لم يكن الرسول هو الذي يسعى إلى من يدعوهم إلى رسالته ، فإن طالبى الهدى قد سمعوا هم إليه ، حين آنسوا بشائر النور ، واستشعروا ريح الخير .. وهكذا شأن أهل الخير ، وطلاب الكمال الإنسانى ، ينشدون الهدى ، ويرتادون مواقعه ،