يبلغه من سلامة إدراك ، وحسن تقدير .. وعندها ثاب إلى رشده ، وأقبل على والديه ، يصلح من أمره معهما ما أفسده بتقصيره وتفريطه .. ثم هو فى هذا الموقف ، وقد بلغ من العمر أربعين سنة ، ينظر إلى ذريته نظرة أبويه إليه ، فيذكر فضلهما عليه ، وإحسانهما إليه ، وما يؤثرانه به من خير وبرّ ، كما يؤثر هو ذريته من خيره وبره .. وهذا من شأنه أن يحرك عاطفته الجامدة نحو أبويه ، ويؤدى ما قصر فيه من حقهما ، كما يود أن يؤدى له أبناؤه ما يجب عليهما له من طاعة وولاء ..
فالإنسان هنا ، هو الإنسان الذي قصر فى حق والديه ، ثم عاد فأحسن صحبتهما ، وأدى ما يجب عليه نحوهما .. وبهذا تقبل الله عنه أحسن ما عمل ، وتجاوز عما كان منه من تقصير .. (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ..
ثالثا : فى قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ..) الآية ما يدل على أن الآية السابقة ليست خيرا عن إنسان واحد بعينه ، وإنما هى خبر عن كل إنسان كان على هذا الوصف من أبويه .. فرّط فى حقهما ، وقصر فى الإحسان إليهما ، ثم كانت منه توبة إلى الله ، وإحسان إليهما .. وهذا مثل قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٠ : الفرقان).
رابعا : من العبارات التي تحتاج إلى شرح :
قوله تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أي حملته واجدة ما تكره من آلام الحمل والولادة ، لا ما تكره من الحمل نفسه ، فهى ـ مع هذه