وثانيا : المراد بالإنسان فى قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) أهو مطلق الإنسان أم هو إنسان بالذات؟ ..
أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت فى أبى بكر رضى الله عنه ، وأنه هو الإنسان المقصود هنا. ومستندهم فى هذا ، أن أبا بكر رضى الله عنه ، هو الذي آمن ، وآمن معه والداه ، أول الدعوة الإسلامية ، وأنه ـ رضى الله عنه ـ كان فى أول الدعوة الإسلامية فى الأربعين من عمره ، إذ كان ـ كما يقولون ـ أصغر سنّا من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بنحو عامين ..
والذي نراه ـ ونرجو أن يكون صوابا ـ هو أن المراد بالإنسان ، هو مطلق هذا الإنسان ، الذي وصاه الله بوالديه إحسانا .. فهذه الوصاة بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان .. ولكن كما يتردد بعض الناس فى قبول دعوة إلى الله إلى الإيمان به ، أو يرفض هذه الدعوة ـ كذلك يتردد بعض الناس فى امتثال أمر الله بالإحسان إلى الوالدين ، أو لا يستجيب لهذه الدعوة أبدا .. وكما يتوب الله سبحانه وتعالى على العصاة ويتجاوز عن سيئاتهم ، ويقبلهم فى أهل الإيمان والإحسان ، كذلك يقبل الله سبحانه من يراجع نفسه ، ويقبل بالإحسان إلى والديه بعد أن فرّط وقصر ..
ففى قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ ...) فى هذا ما يشير إلى شىء من التقصير فى حق الوالدين ، وإلى مطاولة الزمن وعدم المبادرة بالإحسان إليهما منذ مطلع الصبا والشباب ، حتى امتدّ هذا التفريط والتقصير إلى أن بلغ هذا الإنسان أشده ، وبلغ أربعين سنة ، حيث استوفى غاية ما يمكن أن