صورة من صور مشيئتهم ، إلى ما لا يحصى من السور التي تتحرك فيها تلك المشيئة ، فى أقوالهم وأفعالهم .. فكيف يجعلون أفعالهم الضالة وأقوالهم المنكرة من مشيئة لله ، ولا يجعلون لمشيئتهم وجودا هنا ، مع أنها موجودة فى كل حال معهم؟ إن ذلك ـ كما قلنا ـ مكر بالله ، وتبرير لكل جناية يجنونها على الناس أو على أنفسهم ..
ومن جهة أخرى ، فإن هؤلاء الغواة الضالين لو جروا على منطقهم الذي يجعلون به لله سبحانه وتعالى مشيئة عامة شاملة ، لكان مؤدّى هذا أن بعبدوا الله وحده ، وأن يتبرءوا من كل شريك له ، إذ كان سبحانه ، صاحب السلطان المطلق ، والمشيئة النافذة .. وإنه لضلال سفيه أن يعبد المرء من لا سلطان له ولا مشيئة ، ويدع صاحب السلطان ، ورب المشيئة! ولكن هكذا يزيّن الضلال لأهله سوء أعمالهم ، فيرونها حسنة .. وفى هذا يقول الله سبحانه على لسان أهل الضلال : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) (١٤٨ : الأنعام) ويقول سبحانه على لسانهم كذلك : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ؟) (٤٧ : يس).
وقوله تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) .. الإشارة بذلك إلى هذا القول الذي يقولونه باطلا وزورا ، ويضيفون فيه عبادتهم الملائكة إلى مشيئة الله .. فهذا الذي يقولونه لا علم لهم به .. لأنهم لا يعلمون ما هى مشيئة الله ، ولا يقدرونها قدرها ، فهم إذا أساءوا ، ووضعوا موضع المساءلة والحساب ؛ قالوا هذا من مشيئة الله فينا ، وإذا كانوا فى عافية من أمرهم ، لم يلتفتوا إلى هذه المشيئة ، ولم يضيفوا إليها شيئا مما هم فيه ، بل جعلوه من كسب أيديهم ، كما قال قارون : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٧٨ : القصص) .. وكما يقول