(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) (٣٢ : إبراهيم) أي ذللها لتجرى بسلطانه لا بسلطانكم عليها .. كما يشير إليه قوله تعالى : (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) أي ما كنا قادرين على قيادة هذه المخلوقات ، التي هى أقوى قوة منا ، لو لا أن سخرها الله سبحانه وتعالى لنا ، وملّكنا أمرها ، والتصرف فيها ..
فاللام فى قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا) هى لام التعليل الكاشفة عن العلة التي من أجلها سخر الله هذه المخلوقات .. فقد سخرها سبحانه ليستوى الإنسان على ظهورها ، ويملك تصريفها حيث يشاء ..
وفى العطف بثم فى قوله تعالى : (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) ـ إشارة إلى أن ذكر هذه النعمة ، إنما يكون على أتمه وأكمله ، حين يكون الإنسان متلبسا بها ، معايشا لها ، مستظلا بظلها ، طاعما من ثمرها ..
عندئذ يكون إحساسه بهذه النعمة كاملا ، ويكون ذكر المنعم بها قائما على شعور مدرك ، يقدّر هذه النعمة ، ومالها من أثر بالغ فى الحال التي هو فيها مع هذه النعمة ، فيجد لذلك قلبا منشرحا ، ولسانا رطبا طلقا ، يسبح بحمد الله ، ويشكر له .. ولهذا جاء العطف بالحرف «ثم» الذي يفيد التراخي ، والذي يشير إلى أن الإنسان إذا غفل عن ذكر الله ، والنعمة غائبة عنه ، فإنه لا ينبغى أن يغفل والنعمة حاضرة بين يديه ، يعيش فيها وينعم بها ..
قوله تعالى :
(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ).
معطوف على قوله تعالى : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) .. فهو من مقول القول .. أي وتقولوا .. إنا إلى ربنا لمنقلبون .. أي راجعون إليه ، بعد رحلتنا فى هذه الحياة الدنيا ..