فقوله تعالى : (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ـ هو ـ وإن لم يكن مما نطق به القوم مقالا ، فقد نطقوا به حالا والتزاما .. فإن إقرارهم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ، يقضى بأن يكون لله العزة المطلقة ، والعلم الشامل.
قوله تعالى :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
هو إلفات لهؤلاء المشركين ، وهم فى موقف الاعتراف الملجئ لهم ، إلى القول بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ـ إلفات لهم إلى أن الله الذي خلق السموات والأرض ، هو الله الذي جعل لهم هذه الأرض مهدا ، أي موطنا ممهدا ، كأنه المهد الذي يهيأ للوليد ساعة يولد ، حيث يقوم على هذا المهد من يرعى هذا الوليد ، ويسهر على راحته. فهذه الأرض هى المهد الذي يحتوى الناس ، والذي تحفه عناية الله ورعايته ، بما يمدهم به ـ سبحانه ـ من نعمه ، وما يفيض عليهم من فضله ، وأنه لو لا هذه الأمداد لم يكن للناس حياة ..
وفى قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ـ إشارة إلى بعض هذه النعم التي أنعم الله سبحانه بها على الناس ، وهم فى هذا المهاد الممهّد ..
فمن هذه النعم ، تلك السبل ، وهذه المسالك التي فى البر وفى البحر ، والتي بها يعرفون وجوه الأرض ، وينتقلون من مكان إلى مكان دون أن يضلوا .. فهم يضربون فى كل وجه من وجوه الأرض ، ثم يعودون إلى مواطنهم ، كما تعود الطير آخر النهار إلى أعشاشها ..
قوله تعالى :
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ).
أي ومن نعم الله العزيز العليم ، هذا الماء الذي ينزله من السماء بقدر