هذا هو القرآن الذي يدعى العرب إلى تعقله ، وتدبره ، والحياة معه بعقولهم وقلوبهم .. فما ذا كان منهم إزاء هذه الدعوة؟ لقد تلبّثوا كثيرا ، ووقفوا طويلا على حال من التردد بين الإقدام والإحجام ، حتى إذا تبخرت سحب الضلال المتكاثفة حولهم ، تحت أشعة هذه الشمس الطالعة فى سمائهم ـ صحوا صحوة مشرقة ، اهتزت لها أنفسهم من أقطارها ، فاندفعوا وراء راية القرآن ، اندفاع السيل الهادر ، وقد اكتسح بقوته ما بين يديه من حواجز ومعوقات.
قوله تعالى :
(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ).
هو استفهام يحمل التهديد لهؤلاء المشركين من العرب ، الذين لم يلتفتوا إلى هذا القرآن الذي بين أيديهم ، ولم يمدّوا أيديهم إلى تناول قطوفه الدانية ـ فما ذا يظنون؟ أيحسبون أن هذا الخير سيظل محبوسا على قوم لم يربدوه ، وهناك نفوس كثيرة تشتهيه ، وتنتظر حظها منه؟ إنهم إن لم يبادروا إلى هذا الخير ، ويمسكوا به ، فإنه يوشك أن يتحول عنهم ، وإذا هم إن طلبوه وجدوا غيرهم قد سبقهم إليه ، وأخذ مقام الصدارة التي كان من شأنها أن تكون لهم ..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٣٨ : محمد)
والذكر : هو القرآن الكريم ..
وضرب الذكر عنهم صفحا : صرفه عنهم .. أي تحوّل القرآن الكريم عنهم ، وتنحيته جانبا .. وصفحة الوجه ، وصفحة السيف : جانبه ، وكذلك الصفحة من كل شىء .. وفى التعبير عن صرف القرآن عن المشركين ، وتحوله عنهم ـ فى التعبير عن هذا بضربه عنهم ـ إشارة إلى أن القرآن الكريم متجه