ثمة كلام من الله إليهم ، فليكن بلسان غير لسانهم حتى يكون ذلك شاهد صدق على أن ما يحدثهم به محمد ليس من كلامه هو ، بل من كلام الله .. فهذا أقرب إلى التصديق!! هكذا كان شعورهم نحو القرآن الكريم أول الأمر .. ما إن سمعوه كلاما عربيا مما يتكلمون به ، حتى قامت تلك التهم عندهم له ، وللرسول الذي جاء به .. ولهذا جاءهم القرآن الكريم بما يكشف عن فساد منطقهم هذا ، وذلك فى قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩ : الشعراء) أي أنه لو جاءهم أعجمى لا يتكلم العربية أبدا ، فجعله الله سبحانه وتعالى رسولا إليهم ، يتلو عليهم هذا القرآن بلسان عربى مبين لكان موقفهم معه كموقفهم مع النبي العربي ، ولقالوا فيه مقالا ، ولما كان نطقه باللسان العربي ـ وهو الأعجمى ـ شاهدا يشهد له عندهم بأنه رسول الله .. ففى مجال المماحكة والجدل متسع لأهل الزيغ والضلال!.
ومن جهة أخرى ، فإن هؤلاء الضالين ، لو استمعوا إلى آيات الله ، وعقلوها ، ووزنوا كلامهم على ميزانها لوجدوا أن كلامهم بالنسبة إليها أشبه بلكنة الأعاجم ورطاناتهم ..
إن الشبهة قائمة عندهم ، لا تزول ، لو جاءهم القرآن باللسان الأعجمى ، كما أنها قائمة عندهم كذلك لو كان الرسول إليهم ملكا لا بشرا .. وفى هذا يقول الله تعالى :
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩ : الأنعام) ..
فلو جاءهم القرآن الكريم بلسان أعجمى لكانت علّتهم عليه ، أنه ليس بلسانهم ، وأنهم لا يفهمون هذه الرطانة ، ولقالوا : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي هلا وضحت آياته ، واستبانت مغالق كلماته ، حتى نعلم منطوقها