الأول ، أن الذين يلقون فى النار لم يلقوا فيها إلا بعد أن قطعوا طريقا طويلا مضنيا إليها ، تطلع عليهم فيه المخاوف من كل جانب .. على حين يرى فى المعادل الآخر ، أن من يأتى آمنا يوم القيامة قد انتهى به هذا الأمن إلى أمن دائم ، وهو الجنة التي طابت لأهلها مستقرا ومقاما : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١٠٣ : الأنبياء) .. (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (١٢ : الحديد).
وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ .. إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ هو تهديد بعد تهديد لهؤلاء المشركين ، الذين لا يريدون أن يتحولوا أبدا عن هذا الموقف الضال من آيات الله ، ومن رسول الله .. فليعملوا ما شاءوا .. إن الله بما يعملون بصير .. وإنهم لمحاسبون على ما يعملون ، ومجزيّون بأسوأ الذي كانوا يعملون.
قوله تعالى :
* (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)
الذكر : هو القرآن الكريم : وسمى ذكرا ، لأنه يذكّر بالله ، ويكشف طريق الهدى إليه.
وخبر «إن» محذوف ، وفى حذفه إشارة إلى أن يفسح المكان لكل وارد من واردات العذاب ، والبلاء ، ولكل صورة من صور الانتقام والنكال فيمكن أن يقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) سيحشرون على وجوههم إلى جهنم .. لهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ـ ويمكن أن يقال هنا ، كلّ ما جاء فى القرآن من صور العذاب والنكال لأهل الكفر ، والإلحاد ..