الوجود .. وبهذا التوارد للإنسان على موارد النوم واليقظة ، يعرف نعمة الله عليه ، وإحسانه إليه ، ويجد للنوم طعمه الهنيء في كيانه ، كما يجد لليقظة مساغها العذب في كل جارحة من جوارحه.
ـ وفي قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) وفي تقديم النوم ، على اليقظة التي يدل عليها قوله تعالى : (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ـ فى هذا إلفات إلى نعمة النّوم ، التي قلّ أن يلتفت إليها كثير من الناس ، إذ كان في النوم عزل للإنسان عن الحياة ، وقطع للصلة بينه وبين ذاته ، حتى لكأنه قد فقد وجوده .. ومن هنا كانت نظرة كثير من الناس إلى النوم على أنه عارض دخيل على الإنسان ، أشبه بالآفات التي تعرض للجسد .. وهذا فهم خاطئ هذه النعمة العظيمة التي تضيفها يد الرحمة الإلهية على الإنسان! ..
وندع النظر إلى النوم ـ كظاهرة جسدية ـ وإلى وظيفته العضوية في كيان الجسد الإنسانى وتنظر إلى ما يقع للإنسان في رحلة النوم ، وما يصادفه على طريقه من رؤى وأحلام ، حيث تنطق قوى الإنسان الخفية ، وتسبح في عوالمها ، وتحقق قليلا أو كثيرا من مطالبها التي أمسكتها عنها يقظة الجسد ، وقيدتها دونها جوارحه.
ففى رحلة النوم ، وفيما بين اليقظة والنوم ، يسبح الإنسان بعقله وروحه ، فيما وراء هذا العالم المادي .. حيث لا قيود ولا سدود .. وحيث يحقق الإنسان فى هذا العالم ما عجز عن تحقيقه في عالمه المادىّ ، فيجد في هذا ما يجد الجوعان بعد الشبع ، والظمآن بعد الرىّ!
فكم من محروم ، طعم في نومه من كل طيّب كانت تشتهيه نفسه ، وتقصر عنه يده؟ وكم من مظلوم ، اكتوى بنار الظلم من يد ظالمه ، ثم جاء إليه