(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٧ : الشورى)
ـ وقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) أي أن هؤلاء المسلمين ، الذين أورثهم الله الكتاب ، واصطفاهم من بين عباده للإيمان به ـ هؤلاء ليسوا على درجة واحدة ، فى إيمانهم بالله ، وفى منزلتهم عنده ، بل هم درجات عند الله ، وإن كانوا جميعا فى مقام الاصطفاء ..
إنهم فى مجموعهم ، ثلاث طوائف : طائفة آمنت بالله ، ولكنها لم تعمل بهدى هذا الإيمان ، ولم ترتفع بأعمالها إلى مستواه ، فظلمت نفسها بالوقوف عند أول درجة من درجات الكمال ، وقد فتح أمامها الطريق إليه ، وأقيمت لها على جوانبه معالم الهدى .. وإنه لا عذر لها فى التوقف عن السير فى هذا الطريق الآمن المطمئن ، لتجنى ما وعدت به على طريقه من خيرات ومسرات .. وهذه الطائفة هى طائفة العصاة من المؤمنين ، أصحاب الكبائر .. وطائفة أخرى .. آمنت به كذلك ، ولكنها لم تقف عند أول منزلة من منازل الإيمان ، بل خطت خطوات بطيئة متمهلة .. تسير حينا ، وتتوقف حينا .. ومع هذا فهى على الطريق سائرة.
وهؤلاء هم المؤمنون ، الذي خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .. فأحسنوا وأساءوا ، وأطاعوا وعصوا .. وهؤلاء هم وسط بين الذين ظلموا أنفسهم ، والذين سبقوا بالخيرات. وهم الطائفة الثالثة من طوائف المؤمنين .. أما الطائفة الثالثة فهى طائفة أولئك الذين ساروا سيرا حثيثا على طريق الإيمان ، فلم يقفوا عند إثم ، ولم يسكنوا إلى كنف معصية ، فسبقوا بالخيرات ، وبلغوا الغاية التي يبلغها المؤمنون بإيمانهم .. وهؤلاء هم الأتقياء ، والصالحون ، والأبرار ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، ومنحهم التوفيق ، وحفظهم من الزلل على الطريق ..