ورزق موفور .. وفى هذا دعوة إلى الدراسة والبحث والتعمق إلى ما وراء ظوهر الطبيعة .. فهذه الظواهر قشور ، تخفى وراءها جواهر كريمة ومعادن نفيسة .. فمن وقف عند هذه القشور ، لم يقع ليده إلا التافه المتساقط من لحاء شجرة الطبيعة ، وأما من تجاوز هذه القشرة ، فإنه خليق بأن يملأ يديه من كل خير ، ويطعم من كل ثمر .. فإذا امتد نظر الناظر إلى عالم الإنسان ، والدواب ، والأنعام ، وجد فى كل عالم صورا وأشكالا لا حصر لها ..
فالعالم الإنسانى مثلا .. كل إنسان عالم بذاته .. فى صورته ، ولونه ، ولسانه ، وفى مشاعره ، وتفكيره ، وتصوراته ، وخواطره ، بحيث لا يكاد يتفق إنسان وإنسان .. والدواب .. والأنعام كذلك .. كل حى منها ، وإن بدا أنه قريب الشبه بغيره ، فإن لكل حىّ منها صفات ظاهرة وباطنة ، تميزه من غيره.
ولكن من الذي يرى هذا ، ويدرك الفروق الظاهرة ، أو الخفية بين هذه المخلوقات؟ إنه لا يرى هذا إلا أهل العلم ، وأصحاب النظر ، الذين ينظرون بعقولهم لا بعيونهم وحدها .. ولهذا جاء قوله تعالى ، تعقيبا على هذه الدعوة الداعية إلى النظر فى تلك الموجودات :
(إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)
فإن هذه الخشية لله ، التي تقع فى القلوب ، وتستولى على المشاعر ، لا تجىء إلا عن علم بما لله من جلال ، وقدرة ، وعلم ، وحكمة .. وهذا العلم لا يحصّل إلا بالبحث الجادّ ، والنظر المتأمل ، والعقل الدارس المفكر ، فى خلق السموات والأرض ، وما فى السموات والأرض ..
فمعرفة الله أولا ، ثم الخشية له ثانيا ..