أولا : أن الظل هو نعمة ، فى مقابلة الحرور ، وكذلك الحياة نعمة ، فى مقابلة المو ..
فقدمت هنا نعمتان ، على حين قدمت قبلهما آفتان ، هما العمى والظلمات ..
وفى هذا التوزيع توازن لألوان الصورة ، حيث جاءت هكذا :
آفتان تقابلان نعمتين .. العمى والبصر ، والظلام والنور ..
ونعمتان تقابلان آفتين .. الظل والحرور ، والحياة والموت.
وثانيا : أن الأصل فى نفى الاستواء ـ وهو التوازن بين الشيئين ـ أن يقع أولا على الناقص منهما ، فيقدّم المفضول على الفاضل ، كما فى قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) .. (٢٩ : الحشر) وقوله سبحانه : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ـ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ـ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) .. (٩٥ : النساء)
هذا هو الاستعمال فى أصل اللغة ، فإذا خرج الاستعمال عن هذا الأصل ، كان ذلك لغاية يراد لها .. كما فى قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٩ : الزمر) وذلك حين لا يكون المراد هو تقرير حكم فى المفاضلة بين أمرين ، وإنما المراد هو الإلفات إلى أن الأمور ليست على وجه واحد ، وإنما لكل أمر وجهان .. وجه ، وضدّ لهذا الوجه. مثل الوجود والعدم ، والحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والنور والظلام ، والظل والحر ، والعذب والملح .. وهكذا .. والمطلوب من الخصم أن يعترف به هنا ، هو أن الشيء الذي يمسك به ، ليس هو كل الشيء ، وإنما يقابله نقيضه ، الذي يجب أن ينظر فيه ، ويقابل الوجه الذي معه ، على الوجه الآخر ، الذي لهذا الشيء ..
فإذا كان المشركون يمسكون بالشرك ، ولا يرون أن هناك معتقدا غيره ـ