فقوله تعالى : (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) .. إشارة إلى أن الباطل قد أصيب فى مقاتله ، وأنه لن تقوم له بعد اليوم قائمة ، ولن يكون له بعد اليوم صوت يسمع .. فالمراد بنفي البدء والإعادة لازمها ، وهو عدم التأثير ،. أي أنه الباطل يفقد كل آثاره وأفعاله ، بعد أن يقذف بالحق ، كما يقول سبحانه : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (١٨ : الأنبياء)
قوله تعالى :
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)
وهذا الحقّ الذي جاء ، إن ضللت عنه ، ولم أتبع هديه ـ فإنما عاقبة هذا الضلال واقعة علىّ .. وإن اهتديت بهذا الهدى ، واستقمت على طريقه ، ففى هذا النجاة لى ، والغنيمة التي أغتنمها منه ..
وفى قوله تعالى : (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) ـ إشارة إلى أن هدى القرآن هو الهدى ، وأنه لا هدى إلا منه ، وأن من التمس الهدى فى غيره ضلّ ، وخاب وخسر ..
وفى هذا إشارة أيضا إلى أن مصدر الهدى ، هو الله سبحانه وتعالى ، وأنه من هذا الهدى الإلهى ، يهتدى النبىّ ، ويهتدى المهتدون .. فالنبىّ ـ وهو رسول الله ـ إنما يلتمس الهدى من هذا القرآن ، الذي هو حقّ للناس جميعا ، ليس للنبىّ فيه ، إلا ما للناس جميعا .. ومن هنا ، فإنه لا حقّ له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فى أن يطلب أجرا على شىء هو مشاع فى الناس ، كالنور ، والهواء ، والماء .. وفى هذا أيضا دعوة إلى من يجدون فى أنفسهم أنفة أو كبرا أن يأخذوا من القرآن حظهم من الهدى إذ كان النبىّ هو الذي يحمله ، ويدعو إليه ـ فى هذا دعوة لهم أن يتخففوا من هذا الشعور ، وأن ينظروا إلى القرآن