جاها أو سلطانا : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ)! حتى أكون بموضع تهمة ، بأننى إنما أدعو إلى ما أدعو إليه ، ابتغاء كسب مادىّ لذات نفسى .. إنها دعوة بريئة من كل غرض شخصى ، خالصة من كل مئونة تحملونها من أجلها .. فماذا يحجزكم عنها ، أو يحملكم على التصدّى لها ، والوقوف فى وجهها؟
ـ وقوله تعالى : (فَهُوَ لَكُمْ .. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي إن يكن هناك أجر وخير فى هذه الدعوة ، فهو لكم .. أمّا أنا ، فإن أجرى على الله .. فأنا أحمل رسالته إليكم خالصة ، ولا آخذ منكم على هذا الحمل أجرا ، وإنما أجرى على الذي حملنى رسالته ..
ويجوز أن يكون الضمير «هو» فى قوله تعالى : (فَهُوَ لَكُمْ) عائدا إلى القرآن الكريم ، الذي يدعوهم الرسول الكريم إلى الاستماع إليه ، والنظر فيه ، ثم الإيمان بما يدعوهم إليه من عقيدة وشريعة .. والقرآن وإن لم يجر له ذكر فى الآية ، فهو ـ فى الحقيقة ـ المواجه للقوم ، والمتحدث إليهم .. وعلى هذا يكون «ما» فى قوله تعالى : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) حرف نفى ، بمعنى أننى لم أسألكم أجرا على هذا الكتاب الذي أتلوه عليكم ، فهذا الكتاب هو كتابكم ، إنه لكم ، هدى ورحمة من عند الله .. فكيف أطلب أجرا منكم على أمر هو لكم.؟ إنه لا أجر لى عندكم ، إنما أجرى على الله .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)! وقوله سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٤٤ : النحل) .. فالكتاب منزل إلى الناس ، والرسول عليه الصلاة والسلام هو المتلقى لهذا الكتاب من ربه ، وهو الحامل لهذه الأمانة ، المطلوب منه أداؤها إلى أهلها ، وهم الناس جميعا ..
وقوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) .. أي قائم على كل شىء ،