وفى هذه الآيات التي نحن بين يديها ـ عرض للجاحدين ، الكافرين بالله واليوم الآخر ، مع ابتلائهم بالنعم السابغة والخير الوفير .. وفى هذا آية أخرى .. لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وقوله تعالى :
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) ـ إشارة إلى هذه الجماعة التي كانت تسكن تلك البقعة ، الخصيبة المعطاءة للخير .. وهى سبأ من أرض اليمن ..
والمراد بسبأ هنا هم أهلها .. والمراد بمسكنهم ، الحياة التي كانوا فيها .. و «آية» اسم كان ، ولسبأ خبرها ..
وقوله تعالى :
(جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) بدل من «آية» .. والتقدير : أنه كان لأهل سبأ آية ، هى جنتان عن يمين وشمال .. وقد كان لهم فى هذه الآية منطلق إلى الإيمان بالله ، والقيام بحمده وشكره .. ولكنهم لم ينتفعوا بهذه الآية ، بل زادتهم كفرا وإلحادا ، ومحادّة لله.
والمراد باليمين والشمال : كثرة الخير من حولهم ، حيث يملئون أيديهم منه ، وحيث يتناولونه من قريب ، إن أرادوه بيمينهم وجدوه ، وإن أرادوه بشمالهم تناولوه ، دون أن يجهدوا أنفسهم بالتحول من اليمين إلى الشمال ، أو من الشمال إلى اليمين .. وهذا مثل قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨ : النحل) ومثل قوله سبحانه : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٣٧ : المعارج) .. فالمراد بهذا كله الإحاطة من كل جانب ..
وقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) أمر يراد به الإلفات إلى هذه النعم العظيمة التي أسبغها الله على القوم ، وليس المراد به الأمر بالأكل على إطلاقه.